حين تجف الدموع فوق وجنتيك ، لا يبقى إلّا الملح، تتحسسه بقشور أصابعك الجافة، يشدّ بين حباته جلداّ حانقاً لا فكاك لملامحه،تحاول لعقه بقبعة لسانك فلا تستطيع الوصول إليه، تلعن الواقع الذي جعلك طويل الحزن قصير اللسان ، غير مدرك أن نفور خطيّ الدمع نحو الأذنين هو ما حرمك ذلك المذاق المسائي المالح، ولو كان أقعدك الحزن منكساً رأسك ،ولم ينمك على قامتك الكسيرة مادّاً بصرك إلى السماء(أعني السقف)، لاجتذب أنفك ذينك الخطين، ولربما طرقا شفاك قبل أن يطلبهما لسانك ، تفكر بالوسادة ، إنها تحاول ابتلاع بقعتي بلل عذراوين كبيرتين، إنما تتسللان إلى عمقها بخفر البكر ، فتتوردان وتنتثران ويغوص أنفك بهما، تشتم رائحة الحزن فيطيب لك المساء ، تطلب المزيد فتنزّ عينك دمعة واحدة ، تتبخر قبل أن تثب إلى الوسادة ، فتواسي نفسك: لا بأس فقد انتهى الشوط، وعما قريب يحمل الليل القادم إلى عينيك ماء البحر ، فتبحر به زوارقك دون أشرعة ، تحمل على متنها بضاعتك المحرمة إلى الكتفين الغارقين .
وقد تبكي واقفاً ذات يوم ، فتنزلق الدموع الساخنة مستقيمة نحو صدرك ، وتبرد هناك على مهل، يقرعها قلبك الصغير فتجفل، وتموت جاهزة لفرط ما اهتز حزنك بين أضلاعك ، فتدفنها كيفما اتفق وتنسى أنك بكيت.
ولو تصدق نبوءتي، ليُبكينك الزمن القادم راكضاً ،تهدم تحت قدميك درباً طويلاً ، ربما امتلأ بالمارة وفرغ منهم لحظة امتلأ بك، حينها سيفرّ ذلك الدمع من وجهك المستعجل ، ويعلق اعتباطاً بالأشجار والمعاطف الغريبة ، فيلعقه غيرك دون أن تدري ، ويشتمّه غيرك دون أن يدري ،يتوهج نزيفك في أعين الآخرين، لك أن تبكي حينها أو تمرَّ على الحزن غريباً ، لا فرق، فمن طال مكوثه في الذاكرة ، لن تعباً به الأيام القادمة ...والآن ، تحسس وجهك ، تحسسه بدقات الساعة التي ماتت على الجدار يوم ولدْت ، سيمرّ العقرب الطويل ببطء ،باحثاً عما ترهل من ملامح ، وكلما اصطدم بشيء من تضاريسك الشقية ، هاله ألّا مزيد من الشقاء، فاثّاقلت خطاه تاركاً لنفسه أن يهرم في مجاري الدمع ، ثم يموت مرتاحاً لكفاءة عمله ، أمّا العقرب القصير ، فلا يمرّ أبداً ، يلسعك ويمضي.
وعمّا قريب أو بعيد ، ستمدّ لسانك المثخن بالقروح، فيلعقه الدمع المالح ، إنه الزمان الذي تبكيك فيه السماء ذاتها التي أبكتك ، ولات حين دموع